nubian blogger

Monday, January 16, 2006

سد مروى المنتج الكهربائـى أم المـأزق المائـى

سد مروى المنتج الكهربائـى أم المـأزق المائـى
لقد صمم هذا السد على افتراضات بعيدة عن الواقع السياسى والبيئى اللذان يفرضان نفسهما فى القرن الواحد والعشرين – ورغم تهليل جميع من أعطوهم الفرصة لزيارة هذا السد واعتبروه إنجازاً فريداً مما حدا بالمهندس عثمان ميرغنى صاحب العامود المقروء (حديث المدينة) من التحذير من النظر لهذا الصرح العظيم من خلال منظار تعتم رؤيته خطايا الإنقاذ – وهو فى هذا محق فإن خطايا الإنقاذ إذا نظر من خلالها لأى مشروع بشرى من هرم خوفو إلى سد مروى فهى كفيلة بحجبه – ولكننا اليوم ننظر لهذا السد بموضوعية دارسين للافتراضات التى تم بموجبها تصميمه لكى نبين عدم واقعيتها مما سيدخل السودان فى مأزق مائى يصعب الخروج منه.
إن الافتراضات التى تم تصميم هذا السد على أساسها هى أن مصدر المياه اللازمة لإنتاج الكهرباء ورى أراضى الشمالية المزمع تعميرها سوف تتوفر من إتمام حفر قناة جونقلى بمرحلتيه الأولى والثانية – وتنفيذ مشار السوباط والمشاريع الثلاثة هذه عند إتمامها ستضيف ثلاثة عشر مليار متر مكعب لحصيلة النيل الحالية . تقسم مناصفة بين السودان ومصر حسب اتفاقية مياه النيل المبرمة بين البلدين عام 59.
وفى هذه الحالة سيزيد نصيب السودان من 20.5 مليار متر مكعب إلى 27 مليار وستخزن الزيادة الجديدة فى سد مروى وذلك بالإضافة إلى ستة ونصف مليار متر مكعب هى نصيب مصر ستمر عبر توربينات سد مروى فى طريقها للسد العالى مما يضمن توليد الطاقة التصميمية للسد.
فدعونا ننظر إلى احتمالات إتمام هذه المشروعات:
أولاً: يصعب بل يستحيل على حكومة جنوب السودان الحالية إعطاء نفسها حق تقرير مصير مياه الجنوب لأنها تعتبر نفسها حكومة انتقالية ولحين إجراء الاستفتاء حول الوحدة أو الانفصال وإجراء الانتخابات لتكوين حكومة دائمة فإن هذه المواضيع ستظل مجمدة.
ثانياً يعرف الجنوبيين إن كل إيراد النيل الحالى قد قسم بالكامل بين السودان الشمالى ومصر - وأصبح حقاً مكتسباً يصعب اقتلاعه وبما أنهم سيحتاجون لمياه للتنمية الزراعية فى الجنوب فمن الأحسن أن لا يسمحوا بتقسيم الموارد الجديدة خصوصاً وأنها ستكون حصيلة تجفيف مسطحاتهم المائية فالأفضل الاحتفاظ بها للمساومة فى حقوقهم.
ثالثاً: كانت البشرية فى الماضى تسمى المياه التى تغطى مساحات كبيرة ولا تجرى فى مسار النهر الأصلى مستنقعات وكانت فكرة تجفيفها أو حفر قناة لإعادتها للمجرى الأصلى مقبولة وأما الآن وبعد ازدياد الوعى البيئى فلقد أصبحت تسمى المسطحات المائية وأصبح تجفيفها يقابل بمعارضة شديدة. وهناك تجربة أمريكية للتجفيف حصلت فى فلوريدا ولكن مع تزايد نفوذ حماة البيئة وصحة آرائهم التى أبدوها اضطرت الحكومة الأمريكية لإعادتها سيرتها الأولى – والتجربة نفسها أعيدت فى العراق إذ جفف صدام مسطحات مائية فى جنوب العراق من ناحية أمنية واليوم تحاول العراق جاهدة إعادتها.
رابعاً: حادثة إخلاء المعتصمين بميدان مصطفى محمود بالمهندسين تركت جرحاً غائراً فى نفوس الجنوبيين فهم لم يعترضوا على الإخلاء وشجبوا طريقة وطول مدة الاعتصام ولكنهم صدموا باستخدام القوة المفرطة التى أدت إلى إزهاق أرواح بريئة من النساء والأطفال وما آلمهم أكثر هو التبريرات التى تلت الواقعة – إذ بدلاً عن الاعتذار وتكوين لجان التحقيق وصم جميع المعتصمين - وليس بعضهم - بأنهم سكارى حيارى مساطيل يمارسون الفحشاء على قارعة الطريق.
فلا أظن أن سياسياً سيتجرأ على الموافقة على أى مشاريع زيادة إيراد النيل لصالح مصر ولا السودان الشمالى الذى بارك نظامه هذه المجزرة.
توقف هذه المشاريع سيجعل التخزين بجبل أولياء ضرورة حتمية لتوليد الطاقة بسد مروى ومعلوم أن فواقد التبخر فى هذا الخزان تبلغ 2.5 مليار – فإذا أضفنا لهذا التبخر فى سد مروى البالغ 2 مليار فمعنى هذا أن يفقد السودان 4.5 مليار من حصته الحالية البالغة 20.5 مليار ويصبح المتبقى 16 مليار وهو بالكاد يكفى الاحتياجات الحالية إذا عادت المشروعات القائمة تأخذ زماماتها بالكامل بعد إعادة إعمارها وإصلاحها وتشمل ( الجزيرة والمناقل وحلفا الجديدة ومشروعات الطلمبات بالنيلين الأبيض والأزرق والنيل الرئيسى) – وهذا يعنى فى الوقت الحاضر ولحين البت فى مشاريع زيادة إيراد النيل أن إنتاج الكهرباء فى المتوسط يزيد على 700 ميقاواط – وأن شق ترع شرق وغرب النيل بعد سد مروى لتعمير ثلاثة ملايين فدان أصبح حلماً بعيد المنال (والمعركة القائمة بين النظام وأهل الشمالية فى غير معترك).
كل هذا حدث لاستبدال الأوليات فلو قمنا بتعلية الرصيرص لتفادينا هذا المأزق – وكان الواجب تأخير قيام سد مروى لحين معرفة مصير جونقلى والسوباط.
والمؤسف حقاً أن تعلية الرصيرص ستقابل برفض من سكان النيل الأزرق مما يؤخر قيامه حتى لو وجدنا الإرادة والتمويل لمحاولة إنجازه .
ولا أحد يعرف من هى القوى خلف فكرة تقديم سد مروى على تعلية الرصيرص خصوصاً لو عرفنا أن جميع قدامى مهندسى الرى كانوا مع التعلية – ولكنه نظام الإنقاذ القوى الذى يفعل ما يريد. خفف الله وقع قراراته علينا.

صلاح إبراهيم أحمد
07/01/2006